مقال: اغتنم فراغك قبل شغلك (2) | النجاح

مقال: اغتنم فراغك قبل شغلك (2) | النجاح


قراءة منشورات في مدوّنة النجاح ، اغتنم فراغك قبل شغلك (2) : الزمن نعمة من نعم الله حديث: "اغتنم خمساً قبل خمس" أهمية الناس الذين ينجبون الأولاد طريقة تعامل بعض الناس مع الزمن استغلال نعمة الصحة والفراغ استغلال الشباب نعمة العافية الجوانب التي يؤسس الإنسان فيها نفسه في فراغه ثلاثة مداخل شيطانية..

اغتنم فراغك قبل شغلك (2):

 
اضغط هنا للاشتراك بتطبيق كل يوم حكمة


استغلال نعمة الشباب:  اغتنم فراغك قبل شغلك! الشخص عندما يكون في مقتبل عمره، يكون ذهنه صافياً، لذلك كان عمر بن الخطاب يجعل في مشورته الشباب بالإضافة إلى الشيوخ، نوعية معينة من الشباب، لماذا؟ لصفاء أذهانهم، كان يبتغي حدة عقول الشباب، فكان ابن عباس في مشورة عمر، وكان عمره ثلاث عشرة سنة، لكن ذهنه حاد، قد ينقدح في ذهنه من الأفكار ما لا يأتي في أذهان الشيوخ؛ لأنه ليس عنده مسئوليات، ما عنده أولاد إذا مرضوا اهتم بهم، ولا عنده أولاد إذا تخرجوا من الجامعة يهتم أين سيذهبون ويتوظفون، ولا عنده أولاد إذا كبروا سيبحث للولد عن زوجة، وإذا كان عنده بنت فسيحمل همَّ زواجها، هذه الهموم وهموم المستقبل والأولاد تكدر صفاء ذهن الشخص، ولذلك بعض الشباب يحفظ قرآناً فيريد من أمه أو من أبيه أن يحفظ معه بنفس المعدل، يقول: يا أمي! لماذا لم تحفظي؟ أنا حفظت كذا بفترة، تقول: لكن ذهنك غير ذهنها، والهم الذي عندك غير الهم الذي عندها، ولذلك تجد كثيراً من كبار السن يقولون: يا ولدي! ذهبت علينا أيام، يا ولدي! الآن لا نستطيع أن نحفظ، لا نستطيع أن نصلي مثلكم صلاة التراويح، لأن الإنسان مع الزمن يستهلك، حواسه تضعف، ولذلك كان من الدعاء النبوي: (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا -ليس فقط هذا- واجعله الوارث منا) يعني اجعله زائداً بحيث كأنه يفيض بعد موتنا، أو ورثه لأولادنا. فصفاء الذهن نعمة، ينبغي أن تستغلها الآن في طلب العلم وفي الحفظ والتفكير السليم. الإنسان -أيها الإخوة- لا يدري ماذا تخبئ له الأيام! الآن هو قد يكون صحيحاً، لكن في المستقبل قد يمرض مرضاً مزمناً -نسأل الله العافية- اسأل كثيراً من المرضى، قل للمرضى الذين عندهم أمراض مزمنة، قل لهم: قبل أن تصابوا بهذا المرض كيف كنتم؟ كانوا شباباً وكانوا في صحة، لكن بعد ذلك تجد الواحد منهم مرض مرضاً شديداً؛ الآن إما أنه في المستشفى، أو في الفراش في البيت لا يخرج إلا نادراً، وقد يريد من يحمله لقضاء حوائجه، بعض الناس لا يحسب هذا الحساب، قال الشاعر:   يسر الفتى طول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفـعلُ يُرد الفتـى بعــد اعتــدالٍ وصحةٍ ينوء إذا رامَ القيام ويحملُ انظر إلى كبيرٍ في السن كيف يقوم! يقوم على مراحل! يمكن على اليد الأولى ثم على الرجل الأولى ثم على اليد الثانية ثم على الرجل الثانية، وربما يحمل حملاً، لكن انظر في شاب تجده يستوفز إذا أراد أن يقوم قام مرةً واحدة. اغتنم فراغك قبل انشغالك بأمراض، وقبل انشغالك بتعب الشيخوخة وأمراضها، وهؤلاء الشباب الذين لم يقدّروا لهذا السن قدره عليهم أن يتمعنوا جيداً:   أترجو أن تكون وأنت   شيخٌ كما قد كنـتَ أيام الشبابِ لقد كذبتك نفسك ليس    ثوبٌ دريسٌ كالجديد من الثيابِ ثوب دريس: بال من الاستعمال.. ليس مثلك؛ الناس مختلفون، بعض الناس عندهم عقارات تدر عليهم أرباحاً -وصاحب العقار جالس في البيت- ليس عنده شيء إلا أنه يحصل في آخر السنة الأجرة، وهناك رجل أبوه غني قد يصرف عليه وعلى بيته، ورجل أبوه فقير يصرف هو على نفسه وعلى أبيه، وهناك أناس عائلتهم غنية، فإخوانه أغنياء، وأعمامه أغنياء، وأخواله أغنياء، لو أراد أن يستلف لوجد من يسلفه، ولو غاب وجد من يصرف على بيته، لكن بعض الناس قد يضطر أن يصرف على عدة عوائل، وبعض الناس أولادهم في صحة وقد لا يذهب إلى الطبيب أو العيادة إلا في السنة مرة، أو ما يذهب إلا نادراً، وهناك أناس عندهم أولاد مرضى قد يضطر للسفر من أجل علاجهم، ويقضي فترات طويلة يتنقل في مستشفيات! وتخيل أن رجلاً عنده ولد مصاب بمرض من الأمراض، كيف يكون وضعه مع الولد؟ تراه دائماً منشغلاً بالولد، فإذا ارتفعت الحرارة ذهب إلى الدكتور في المستشفى، فإذا لم يجد العلاج ذهب للثاني وذهب للثالث، فإذا لم يجد في الظهران ذهب إلى الرياض أو إلى جدة، وقد يضطر للسفر إلى مصر أو إلى أمريكا بحثاً عن العلاج، والسفر يحتاج إلى تذاكر وإلى أموال تنفق فيها، وإلى جهود وأوقات، وهذا كله من أجل العلاج وليس بالسهل.   نعمة العافية:  وردني سؤال يتعلق بأحكام الطهارة -الوضوء- كأن يكون على اليد حائل -مثلاً مرهم- يمنع وصول الماء. القصة: أن عائلة فيها ولدان مرضهما أنه ظهر طفح في الجلد ثم أصبح بثوراً، ثم تحولت إلى أورام سرطانية دقيقة أو صغيرة لها جذور في الجلد إلى الداخل، ولا يمكن لهذا المريض أن يرى النور -يعني: النور يضره جداً- فلذلك لا يمكن أن يجلس تحت أنوار، ولا في أشعة الشمس، ولا حتى أمام نور شاشة التلفزيون، ولابد أن يضع نظارة طوال الوقت ما عدا وقت النوم، ولابد أن يدهن الجلد كله بمرهم عازل للضوء (عازل للأشعة أربعة وعشرين ساعة) والمرض لا يعرف له علاج في العالم، وفي المستقبل قد يزداد حتى يضرب في مناطق الأعصاب فيسبب آلاماً رهيبة. الآن تأمل حال الأم المنشغلة بهؤلاء الأولاد، كيف يكون البيت بلا نور! لابد أن تساعدهم في دهن الجسم بالمرهم دائماً. تصور بيتاً فيه أولاد فيهم عاهات، أو كبار في السن وفيهم عاهات، يحتاج هذا المريض إلى شخص يأخذه، وآخر يطعمه وآخر يسقيه، ويحتاج إلى من يخرج له الفضلات، وينقله من الحمام إلى الغرفة، وغيرها من الأعمال. والله عز وجل له حكمه، ولله في خلقه شئون، لكن نحن بسبب الصحة غافلون، ولو أردت أن تعرف شيئاً من الحقيقة فادخل إلى مستشفى من المستشفيات، وتأمل في حال المرضى في الأقسام المختلفة، سئل الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله هل يجوز زيارات المستشفيات للاعتبار، قال: نعم! يمكن للشخص أن يذهب للمستشفيات ليعتبر، وعندما نعلم هذه الأشياء لا بد أن نتأثر لكي نستغل الصحة التي نحن فيها الآن، لأننا لا نعلم حقيقةً ماذا سيحدث لنا في المستقبل، قد يحدث لنا مرض أو عدة أمراض أو مرض مزمن -نسأل الله العافية- لكن الإنسان عليه أن يتعظ ويأخذ عبرة. فنعود ونقول: الناس أصناف، منهم من دخله كبير، ومنهم من دخله يحتاج إلى عمل شديد، الإنسان الذي عنده شركات، غير العامل الذي يشتغل في الشمس وفي البناء ساعات طويلة، والشخص الذي في بداية الزواج غير الشخص الذي عنده أولاد، والشخص الذي في بداية الوظيفة، ليس مثل الشخص الذي عنده تطور في الوظيفة ودخل فيها وتشعب، وازدادت مسئولياته الوظيفية، ما هو المقصد من وراء ذكر هذه المسألة؟ أن الله عز وجل يؤاخذ الناس على حسب النعم التي أعطاهم إياها. فأنت لا تتخيل -مثلاً- أو لا تظن أن الشخص الذي عنده عقارات تأتيه الإيجارات هكذا في نهاية السنة وهو جالس! لا. وإنما يتعب ويعمل مثل العامل الذي يضطر أن يشتغل ست عشرة ساعة في اليوم في الشمس وفي البرد أحياناً، لا تتخيل أن الرجل الذي عنده وقت سواء كان طالباً أو أعزب أن حسابه عند الله مثل الرجل المتزوج الذي عنده مسئوليات وأولاد، وهكذا. وكذلك المرأة -مثلاً- عندما تكون فتاة في مقتبل العمر ليس عندها مسئولية، أمها هي التي تطبخ وهي التي تنظف البيت، أو أن في البيت خادمات -والعياذ بالله من خادمات السوء- هذه المرأة عندما تكبر وتتزوج، وهي متزوجة قبل الأولاد حسابها يتغير عندما يأتيها أول ولد، وحسابها غير ذلك عندما يصير لها ولدان، وحسابها يختلف عندما يصير عندها خمسة أو سبعة أولاد. ولذلك اغتنم فراغك قبل شغلك، هذه حكم نبوية لها مدلولات عظيمة، لكن أكثر الناس لا يعلمون، وأكثر الناس لا يفقهون، ولا يتفكرون، ولا يتعظون، تستهلكهم الحياة دون أن يخططوا شيئاً للمستقبل ودون أن يحتاط الآن للمستقبل. كذلك يضاف إلى ما سبق قبل أن ننتقل إلى نقطة أخرى: أن الناس بالنسبة للإجازات مختلفون، مثلاً الطالب قد يكون عنده عدة أنواع من الإجازات كما ذكرنا، إجازة صيفية وأحياناً تكون شهرين أو شهرين ونصف أو ثلاثة شهور، إجازة الربيع أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وقد تكون عنده إجازات مختلفة، بخلاف الموظف فإنه قد لا يكون عنده إلا شهر أو شهر ونصف، وعطلة نهاية الأسبوع. إن الشاب يختلف عن رب الأسرة، فالطالب عندما تكون عنده إجازة يستغلها فيما يشاء، لكن رب العائلة عندما تصبح عنده إجازة يشغلها في أشياء مختلفة، كأن تكون عنده حاجة تحتاج إلى تصليح أو يريد أن يسافر، وهكذا تجد أن إجازات بعض الناس هي أشغال في الحقيقة، أكثر من أيام الوظيفة، بينما إجازات بعض الناس هي عبارة عن فراغ في فراغ في فراغ.   الجوانب التي يؤسس الإنسان فيها نفسه في فراغه:  فالمقصود الآن: أن المسئولية أمام الله والحساب يوم القيامة ليس الناس فيه سواء. عندنا الآن سؤال: ما هي الجوانب التي يحرص الإنسان على أن يؤسس فيها نفسه في فراغه قبل أن ينشغل؟ الآن لو صار عندك فراغ، لو كنت شاباً في مقتبل العمر ما هي الجوانب التي تستغل فيها فراغك، لتؤسس فيها نفسك؟ طبعاً بداية العمر هذه فترة تأسيسية، مثل البناء تضع الأساسات ثم تبني، فترات الشباب هي فترات تأسيس في الحقيقة، للعاقل فترات الشباب فترات تأسيس وبناء، ولذلك ينبغي أن تستغل في عدة أمور، نذكر اثنين منها:    تعويد النفس على الأعمال الصالحة والعبادات المختلفة: الأول: مجاهدة الشاب المتفرغ لنفسه في تعويدها على الأعمال الصالحة والعبادات المختلفة: وهذه نقطة مهمة جداً، العبادة إذا جاءت في البداية مبكرةً تصادف موقعاً جميلاً، وتدخل فيه وتترسخ وتصبح سجية، يعني: لو أن شاباً تعود على قراءة جزء من القرآن يومياً، وعلى إدراك تكبيرة الإحرام دائماً، وعلى صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإن هذا التأسيس سيصبح سجية فسيستمر فيه طيلة حياته، لكن لو أتيت بشخص كبير في السن وقلت له: أنت غير متعود على قراءة جزء قرآن في اليوم، نريد أن نعودك على قراءة جزء من القرآن في اليوم؟ وأنت كنت لا تصوم النوافل وسنعودك على أن تصوم النوافل دائماً؟ هل تتوقع أنها ستكون مسألة سهلة؟ لا. أبداً، العبادة إذا جاءت على شغل لا ترسخ في النفس، لكن لو جاءت العبادة على فراغ في النفس فإنها تصبح عادة وطبعاً وسجية، ولذلك الآن ندرك خطأ الفكرة التي يظنها كثير من الناس حينما يقول: يا أخي! هذا شاب، دعه يتمتع بعمره وبشبابه، تريدون أن تؤذوا الشباب وتنكدوا عليهم، وتريدون أن تضيعوا عليه أحلى أيام عمره وزهرة شبابه، وهؤلاء الذين يفكرون بهذا التفكير مساكين. إذا أردت الدليل فاستمع معي إلى هذا الحديث: في البخاري ومسلم وغيرهما: عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، أو حظاً -كما في بعض الروايات- صم وأفطر، صم من كل شهرٍ ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر) -الحسنة بعشرة أمثالها، ثلاثة في عشرة بثلاثين كأنه صام الشهر كله، وثلاثة أيام من الشهر الذي بعده، وكأنه صام الشهر الذي بعده، وهكذا حتى كأنه صام الدهر، قلتُ: (يا رسول الله! إن بي قوةً أو إن لي قوةً) وكان عبد الله بن عمرو في فترة شباب؛ فقال: إن لي قوةً، هو أصلاً يستغل شبابه في قيام الليل وصيام النهار، لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه أن يعتدل في عبادته قال: إن بي قوةً (قال: فصم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً- وفي رواية: ذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال: صم من كل عشرة أيامٍ يوماً ولك أجر التسعة، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل تسعةٍ أيامٍ يوماً ولك أجر الثمانية، فقلت: إني أقوى من ذلك، قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً ولك أجر السبعة، قلتُ: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل -يعني يتدرج معه- حتى قال: صم يوماً وأفطر يوماً)، يعني: من كل يومين يصوم يوماً، وفي رواية أن عبد الله قال: (فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك) يعني: أنك تصوم يوماً وتفطر يوماً لا يوجد أفضل من هذا، أفضل الصيام صيام داود، لكن صيام داود -أيها الإخوة- مشروطٌ بأمرٍ ورد في حديث وهذا الأمر مهم. والحديث في تكملته أنه صلى الله عليه وسلم لما وصف صيام داود قال: (ولكنه كان لا يفر إذا لاقى) كان لا يفر إذا لاقى، يعني: لم يكن هذا الصوم ليعجزه ولا ليضعفه عن الجهاد، فإذا كان صيام يوم وإفطار يوم سيجعلك تضعف عن القيام بالوظائف الأساسية، بيتك، وأهلك، وعملك، وصلاتك، وجهادك، وطلبك للعلم، فإنك قد انشغلت بمفضول عما هو أفضل منه، هذا شرط صيام يوم وإفطار يوم. سؤال: كيف تعود الأعمش رحمه الله على إدراك تكبيرة الإحرام بحيث قال الراوي: أن الأعمش لم تفته تكبيرة الإحرام ستين عاماً؟ معناها: أنه كان متعوداً منذُ الصغر على إدراك تكبيرة الإحرام، فلذلك ينبغي أن يتعود الإنسان في أوقات الفراغ على العبادة، وهذا مهم جداً للشاب، تأسيس نفسه على العبادة وأنواع الأذكار، وأنواع العبادات حتى ينطلق:   اغتنم في الفراغ فضل ركوعٍ    فعسى أن يكون موتـك بغتـه كم صحيحٍ رأيت من غــير   سقمٍ ذهبت نفسه الصحيحة فلته ماذا تعني كلمة: وقت الفراغ؟ في وقت الفراغ شيء مهم في مفهوم (أيش معنى وقت الفراغ) بعض الناس يظن أن المعنى: اعمل كل شيء، البعض يظن أن وقت الفراغ هو بعد أن يقوم بكل أعماله ويقول: إذا زاد الوقت طلبنا العلم ودعونا إلى الله. هذه من الأشياء الأساسية -طلب العلم والدعوة إلى الله- إذا أردت أن تعرف المعنى الصحيح لهذا، تأمل معي في آخر سورة الشرح:  فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ● إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ● فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ● وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ  [الشرح:5-8]. فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب، ما معنى هذا؟ قال أهل العلم كما في تفسير ابن كثير: فإذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها -يعني: الأمور المهمة، مثل البيت والأكل والأهل والأولاد- فانصب في العبادة وقم إليها نشيطاً، قال بعض المفسرين: إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل، وقال بعض المفسرين: فانصب في الدعاء، وقال بعضهم: فإذا فرغت من الجهاد فانصب في العبادة. وهذا يدلك على شيء مهم جداً، وهو أن أوقات الفراغ هي غير أوقات العبادات المفروضة في أوقات معينة، منها صلاة الجماعة، ومثل الجهاد إذا حان وقته، وهكذا.   طلب العلم: والأمر الثاني -أيها الأخوة- هو قضية طلب العلم؛ وطلب العلم من الأمور المهمة، التي ينبغي أن يستغل الإنسان وقته فيها، لذلك يقول عمر رضي الله عنه: [تفقهوا قبل أن تسودوا] ما معنى قبل أن تسودوا؟ يعني: قبل أن تصبح إنساناً ذا شأن، وصاحب مسئوليات وصاحب منصب، وقبل أن تصبح سيداً متصدراً للناس، تفقه فإنك غداً عندما تصبح منشغلاً بذلك المنصب أو بتلك السيادة، ربما لا تجد وقتاً كافياً لطلب العلم، وأيضاً، فإن السيادة تحتاج إلى فقه، وإلا فكيف يقود الناس إنسانٌ جاهل، لذلك يقول عمر: [تفقهوا قبل أن تسودوا] ولذلك كان علماؤنا رحمهم الله، لا يضيعون وقتاً بغير فائدة، فترى وقتهم مقسوماً بين القراءة والتصنيف، وبين الإفتاء والقضاء، وبين الحفظ والتدبر والعبادة، وإنكار المنكر، والجهاد في سبيل الله، والتدريس، حتى أن بعضهم كان لهم ثلاثة عشر درساً في اليوم، ويقرأ عليهم أحياناً في الطريق، وهم يمشون ويسألون العلماء في الطريق، وربما إذا دخل بعضهم الخلاء أمر القارئ أن يرفع صوته، حتى يستغل وقته وهو في الخلاء، فيسمع العلم، وربما فكروا بالمسألة وعلموها أو تعلموها وهم في النزع الأخير من حياتهم على فراش الموت، وأكل بعضهم الطعام نيئاً لعدم وجود الوقت للطبخ وكان بعضهم يختصر الوجبات، فيقتصر على وجبة في اليوم، وينتقون الأكلات السهلة التحضير، وسهلة المضغ ليوفروا وقتاً لطلب العلم، وإذا انشغل أحدهم ببري القلم وهو يكتب انطلق لسانه بذكر الله أو مراجعة المسائل حتى لا يتوقف عن عمل مفيد، لكن انظر الآن! إذا كان أحدنا يكتب ويستغل وقته، وأراد أن يبري القلم يتأمل في البراية، ويطالع في المرايا التي خلف المبراة. وكانوا لا ينامون إلا قليلاً؛ حتى ربما خفق رأس بعضهم في كتابه، هكذا كانوا حريصين جداً على طلب العلم، ومن المشاكل الكبرى أن ترى طالب العلم يبرز للناس، ويتصدر قبل أن يتأسس علمياً فينزلق في مزالق، ويقع في مطبات وحفر شيطانية؛ من إفتاء الناس بغير علم -مثلاً- وسيأفل سريعاً ويزوى؛ لأنه تصدر وليس عنده أساس علمي قوي، يعرف كلمتين، فإذا انتهت الكلمتان التي يعرفها انفض الناس من حوله، بعض الخطباء والوعاظ وطلبة العلم يبرز للناس ولم يتأسس بعد، عنده حصيلة قليلة، فإذا ألقى كذا خطبة، أو كذا درساً انتهى الذي عنده، حتى لو كان -مثلاً- مع رفقاء له يعلمهم، فإذا علم فلاناً وفلاناً وفلاناً شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين انتهت الحصيلة، وصاروا مثله في النهاية؛ لأنه لم يستغل وقته في الطلب، والمسلم الجيد هو الذي لا يزال الناس يجدون عنده ما يحتاجون إليه. ولذلك يجب علينا أن ننظر ونعتبر من بعض العلماء الذين بارك الله في أوقاتهم، سبحان الله -مثلاً- أنت إذا نظرت في حال شيخنا عبد العزيز بن باز حفظه الله، تجد من حاله عجباً، طبعاً هذا الرجل أسس نفسه على العلم منذُ الصغر، أسس نفسه على الأصول، يعني: على القرآن ودواوين السنة، عنده أصول أسس نفسه عليها، وهو لا يزال يراجعها، ولذلك ترى حلقات الشيخ أكثرها قراءة وهو يسمع، يعني: يقرأ عليه أكثر مما يعلق، فهو لا يزال يراجع الأصول، ولذلك عندما تأتي النازلة ليفتي فيها الشيخ، فعنده الأصول وهي قد اختمرت في ذهنه بمرور السنين وتواليها، آيات وأحاديث كثيرة جداً اختمرت في ذهنه، تأسست نفسه في العلم، فلو جاءت نازلة أفتى فيها، لكن لو جاء طالب علم، وجاءت نازلة، سيبحث في الكتب والدواوين وأقوال العلماء، والأشباه والنظائر، ويرى الأمور، ثم بعد ذلك قد تكون فتواه صحيحة وقد تكون عوجاء، ولذلك ترى الآن العلماء الحقيقيين وإن كانوا قلة وندرة، إلا أن عندهم القدرة على الكلام في مستجدات العصر بعلم شرعي، وإلا فهناك أناس يفتون بجهل في مستجدات العصر، ولذلك مثل الشيخ حفظه الله الذي لديه خلفية قوية في أصول الإسلام، لا يحتاج إلى أن يفتش وينقب دائماً في الكتب ويبحث مثل طالب العلم، فإنه إذا أراد أن يفتي في مسألة يبحث فيها! وأيضاً -أيها الإخوة- الداعية إلى الله مهم جداً أن يؤسس نفسه، قبل أن تتراكم عليه المسئوليات -وهذه القاعدة مهمة- قبل أن تتراكم عليه المسئوليات الدعوية والتربوية، فإن الإنسان إذا كان يسير في طريق الدعوة والتربية فإن مسئولياته في ازدياد من يومٍ إلى آخر، وإذا كان مخلصاً عاملاً نشيطاً، فإن مسئولياته ستزداد يوماً بعد يوم، وإن رعيته التربوية ستكبر وتتضخم، فإذا لم يكن عنده أساسٌ قوي، فكيف سيقوم بمواجهة هذه المسئوليات والاضطلاع بها؟ ولذلك تجد بعض المشايخ الكبار، قد لا يجد وقتاً للقراءة أحياناً، لأنه يتنقل من مكان إلى مكان، يلقي محاضرة هنا وهناك، ودرساً هنا وهناك، ويتصل الناس به ويستفتونه. الشيخ ابن عثيمين قال كلمة جميلة، أقصد في جمال المدلول عندما كان يدرس في الحرم في رمضان، وكانت له حلقة بعد الفجر وحلقة بعد المغرب، وكان الناس يسألونه بعد الصلوات وبعد العصر، وكانت له غرفة مخصصة يتصل عليه الناس قال: والله إني أحياناً لا أجد وقتاً أقرأ فيه القرآن، فأحياناً يكون الإفتاء أفضل من تلاوة القرآن، وذلك بسبب حاجة الناس، خصوصاً للذي لم يهجره، ومن هنا -أيها الإخوة- كان لابد للدعاة الصادقين من إيجاد خطة لتفريغ الدعاة إلى الله، ويجب على أهل الغنى والثراء أن ينظروا في المشاريع الإسلامية، ويحاولوا أن يشاركوا فيها؛ لتفريغ الدعاة إلى الله لكي يتجولوا في بلاد الكفار، ليلقوا الدروس والمحاضرات، وتفريغهم لهذا المجال ولهذا العمل أفضل من أن يعمل أحدهم في شركة أو في مؤسسة يستهلك وقته فيها، وترتيب الرواتب لهم من أعظم أبواب الأجر؛ لأنه سيستطيع أن يعطي، ولذلك كان العلماء في الماضي لهم رواتب من بيت مال المسلمين، العالم ليس عنده عمل إلا طلب العلم، والتعليم، وهذا التفرغ هو الذي أنتج العلماء في الماضي.   ثلاثة مداخل شيطانية:  من الأمور التي نختم بها كلامنا -أيها الإخوة- أن هناك ثلاثة مداخل ربما تكون أحياناً شيطانية. بعض الناس لو لم يهتد إلى الله إلا بعد فترة من الزمن -مثلاً صار عمره ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، ثم هداه الله- فماذا يحصل له؟ يقول: لقد فاتني وقت الطلب، وقت تأسيس نفسي على العبادة، وذهب عليَّ الزمن وذهب عليَّ الوقت، وفاتني القطار. وتراه دائماً يشتغل بالندم على الوقت الفائت، فيسبب تضييع الوقت الحاضر، وهذه نقطة شيطانية خطيرة جداً، وهذا خطأ كما قال أهل العلم، ولذلك صارت القاعدة الذهبية، "ما لا يدرك كله لا يترك بعضه" أي: إذا لم تستطع أن تأخذ طريق العلم من بداية عمرك، فلا يترك بعضه.
حكمة اليوم:

فيديوهات

أشهر الفيديوهات:

طريق النجاح:

المزيد ...

نادى النجاح:

المزيد ...

صناعة النجاح:

المزيد ...

قصص النجاح:

المزيد ...

النجاح Success:

المزيد ...

فن صناعة النجاح :

المزيد ...

كيفية إدارة المشروعات - اسباب النجاح و الفشل :

المزيد ...

معادلة النجاح :

المزيد ...

مدوّنات الجانب الشخصي:

المزيد ...

مقالات و مدوّنات أخرى: